يظن البعض أن مسألة النهضة الحسينية واقعة تاريخية، انتهت بموت العناصر المتواجهة فيها، وهذا خطأ جسيم.. فكما أن تاريخ المواجهات لم تمت - طوال التاريخ - بين الأنبياء وأعدائهم، ومن هنا جعله القرآن عبرة لأولي الألباب، فكذلك قضية الحسين عليه السلام خالدة، لان منهجه ( منهج المواجهة مع الظلم الفكري والعملي ) لا زال حياً ماثلاً للجميع.. فمتى مات الباطل، لتموت المواجهة معه ؟..
إن الحسين عليه السلام في زمان أخيه الحسن عليه السلام كان رمزاً لطاعة إمام زمانه، رغم انه يشترك مع أخيه في وصف السيادة لأهل الجنة، ولهذا نراه يتعامل مع أخيه الإمام معاملة المأموم.. وهذا درس في زماننا المعاصر، وهو أن نعيش حالة الطاعة المطلقة لبقية الماضين من سلسلة الأئمة الإثني عشر.. وثمرتها في زمان الغيبة، هو الرجوع إلى المجتهد : الصائن لنفسه، والمطيع لمولاه، والمخالف لهواه، كما ورد في الحديث الشريف.
أن الحسين عليه السلام بحركته الخالدة التي تعرض فيها هو وعياله لما قل مثيله في التاريخ - سواء قبل الاستشهاد وحينه وبعده - أراد أن يبـّين للأمة ثمرة الغرس الذي نشأ بعيداً عن : نمير الغدير، ودوحة المباهلة، وواحة الثقلين.. ولولا هذه الهزّة العنيفة لضمير الأمة، لسارت الأمور في مجرى آخر لا يعلم عاقبته إلا الله تعالى.. ومن هنا نعلم معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " .. وأنا من حسين ".
أن مأساة الحسين عليه السلام بدءً من خروجه من المدينة، إلى عودة سباياه إلى المدينة مرة أخرى، وما بينهما من الأحداث الجسام، رغم تعدد ألوانها المأساوية، إلا أنها مصطبغة بلون واحد، وهو العنصر المميز لكل حركته، إلا وهي العبودية المطلقة لله رب العالمين، وهي تتجلى تارة : في مناجاته مع رب العالمين في مقتله.. وتارة في صلاة أخته زينب عليها السلام في جوف ليلة الحادي عشر من محرم.. وتارة في مناجاة السجاد عليه السلام مع ربه والأغلال الجامعة في عنقه الشريف !
من معالم الثورة الحسينية، حرص سبايا الحسين عليه السلام تبليغ رسالته في شتى الظروف القاسية، وذلك بمنطق المنتصر، وأن كان مغلوباً ظاهراً.. فهذه زينب عليها السلام يصفها الراوي : ما رأيت خفرة ( أي شديدة الحياء ) بأنطق منها.. فإنها جمعت بين : كمال الالتزام بما تمليه الشريعة على الأُنثى عند حديثها مع الرجال، وبين بيان المنهج الفكري الذي ينبغي أن ترجع إليه الأمة، والتي من أجلها ضحى أخوها الحسين عليه السلام بنفسه.
أن الطبع البشري يميل إلى تخليد الذكر، وبقاء الأثر بعد الرحيل من هذه الدنيا الفانية.. ولا سبيل إلى ذلك، إلا بالارتباط بمبدأ الخلود، فهو الذي لو بارك في عمل أو وجود ربطه بأسباب الدوام والخلود، كما ورد فيما أوحاه الله تعالى إلى نبي من أنبيائه : " إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية "، وهو ما نراه متجليا في نهضة الحسين عليه السلام.. ففي كل سنة تمر علينا ذكراه، وكأنها ذكرى جديدة، وسيبقى الأمر كذلك، إلى ظهور الدولة الكريمة لولده المهدي عليه السلام الذي يثأر لخط الظلم الذي بدأ بقتل هابيل، واستمر طوال التاريخ مروراً بكربلاء، إلى اليوم الأخير لما قبل الظهور.
منقول